سورة النجم - تفسير تفسير الألوسي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النجم)


        


{فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (10)}
{فأوحى} أي جبريل عليه السلام {إلى عَبْدِهِ} أي عبد الله وهو النبي صلى الله عليه وسلم، والإضمار ولم يجر له تعالى ذكرًا لكونه في غاية الظهور ومثله كثير في الكلام، ومنه {وَلَوْ يُؤَاخِذُ الله الناس بما كَسَبُواْ مَا تَرَكَ على ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ} [فاطر: 45] وقوله سبحانه: {إِنَّا أنزلناه فِى لَيْلَةِ القدر} [القدر: 1] {مَا أوحى} أي الذي أوحاه والضمير المستتر لجبريل عليه السلام أيضًا، وإبهام الموحى به للتفخيم فهذا نظير قوله تعالى: {فَغَشِيَهُمْ مّنَ اليم مَا غَشِيَهُمْ} [طه: 78] وقال أبو زيد: الضمير المستتر لله عز وجل أي أوحى جبريل إلى عبد الله ما أوحاه الله إلى جبريل، والأول مروي عن الحسن وهو الأحسن، وقيل: ضمير {أوحى} الأول والثاني لله تعالى، والمراد بالعبد جبريل عليه السلام وهو كما ترى.


{مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (11)}
{مَا كَذَبَ الفؤاد} أي فؤاد محمد صلى الله عليه وسلم {مَا رأى} ما رآه ببصره من صورة جبريل عليه السلام أي ما قال فؤاده صلى الله عليه وسلم لما رآه لم أعرفك ولو قال ذلك لكان كاذبًا لأنه عرفه بقلبه كما رآه ببصره فهو من قولهم كذب إذا قال كذبًا فما كذب عنى ما قال الكذب، وقيل: أي {مَا كَذَبَ الفؤاد} البصر فيما حكاه له من صورة جبريل عليه السلام وما في عالم الملكوت تدرك أولًا بالقلب ثم تنتقل منه إلى البصر. قرأ أبو رجاء وأبو جعفر. وقتادة. والجحدري. وخالد بن الياس. وهشام عن ابن عامر {مَا كَذَبَ} مشددًا أي صدقه ولم يشك أنه جبريل عليه السلام بصورته، وفي الآيات من تحقيق أمر الوحي ما فيها، وفي الكشف أنه لما قال سبحانه: {إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْىٌ} [النجم: 4] أي من عند الله تعالى: {يُوحَى} ذكر جل وعلا ما يصور هذا المعنى ويفصله ليتأكد أنه وحى وأنه ليس من الشعر وحديث الكهان في شيء فقال تعالى: {عِلْمٍ صاحبكم} هذا الوحي من هو على هذه الصفات، وقوله تعالى: {فاستوى} وحديث قيامه بصورته الحقيقية ليؤكد أن ما يأتيه في صورة دحية هو هو فقد رآه بصورة نفسه وعرفه حق معرفته فلا يشتبه عليه بوجه، وقوله تعالى: {ثُمَّ دَنَا فتدلى} تتميم لحديث نزوله إليه عليه الصلاة والسلام وإتيانه بالمنزل، وقوله سبحانه: {فأوحى} أي جبريل ذلك الوحي الذي مر أنه من عند الله تعالى إلى عبد الله وإنما قال سبحانه: ما أوحى ولم يأت بالضمير تفخيمًا لشأن المنزل وأنه شيء يجل عن الوصف فأنى يستجيز أحد من نفسه أن يقول إنه شعر أو حديث كاهن، وأيثار عبده بدل إليه أي إلى صاحبكم لإضافة الاختصاص وإيثار الضمير على الاسم العلم في هذا المقام لترشيحه وأنه ليس عبدًا إلا له عز وجل فلا لبس لشهرته بأنه عبد الله لا غير، وجاز أن يكون التقدير فأوحى الله تعالى بسببه أي بسبب هذا المعلم إلى عبده ففي الفاء دلالة على هذا المعنى وهذا وجه أيضًا سديد، ثم قال سبحانه: {مَا كَذَبَ الفؤاد مَا رأى} على معنى أنه لما عرفه وحققه لم يكذبه فؤاده بعد ذلك ولو تصور بغير تلك الصورة إنه جبريل، فهذا نظم سرى مرعى فيه النكت حق الرعاية مطابق للوجود لم يعدل به عن واجب الوفاق بين البداية والنهاية انتهى.
وهو كلام نفيس يرجح به ما روي عن عائشة رضي الله تعالى عنها وسيأتي ذلك إن شاء الله عز وجل اله وعليه.


{أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى (12)}
{أفتمارونه على مَا يرى} أي أتكذبونه فتجادلونه على ما يراه معاينة فتمارونه عطف على محذوف على ما ذهب إليه الزمخشري من المراء وهو المجادلة واشتقاقه من مرى الناقة إذا مسح ظهرها وضرعها ليخرج لبنها وتدرّ به فشبه به الجدال لأن كلا من المتجادلين يطلب الوقوف على ما عند الآخر ليلزمه الحجة فكأنه يستخرج درّه.
وقرأ علي كرم الله تعالى وجهه. وعبد الله. وابن عباس. والجحدري. ويعقوب. وابن سعدان. وحمزة والكسائي. وخلف {أفتمارونه} بفتح التاء وسكون الميم مضارع مريت أي جحدت يقال: مريته حقه إذا جحدته، وأنشدوا لذلك قول الشاعر:
لئن هجرت أخا صدق ومكرمة *** لقد مريت أخا ما كان يمريكا
أو مضارع مريته إذا غلبته في المراء على أنه من باب المغالبة، ويجوز حمل ما في البيت عليه وعدى الفعل بعلى وكان حقه أن يعدي بفي لتضمينه معنى المغالبة فإن المجادل والجاحد يقصدان بفعلهما غلبة الخصم، وقرأ عبد الله فيما حكى ابن خالويه. والشعبي فيما ذكر شعبة {أفتمارونه} بضم التاء وسكون الميم مضارع أمريت قال أبو حاتم: وهو غلط، والمراد بما يرى ما رآه من صورة جبريل عليه السلام، وعبر بالمضارع استحضارًا للصورة الماضية لما فيها من الغرابة، وفي البحر جيء بصيغة المضارع وإن كانت الرؤية قد مضت إشارة إلى ما يمكن حدوثه بعد، وقيل: المراد {أفتمارونه على مَا يرى} من الصور التي يظهر بها جبريل عليه السلام بعد ما رآه قبل وحققه بحيث لا يشتبه عليه بأي صورة ظهر فالتعبير بالمضارع على ظاهره.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8